
الذّهب معدن طبيعي جميل جدّا لونه أصفر لامع، ويحبّه الناس منذ آلاف السنين لأنه نادر ومختلف عن باقي المعادن. يوجد الذهب داخل الصخور في باطن الأرض، وعندما يعثر الناس عليه يكون عادة على شكل حبّات صغيرة جدّا لامعة.
الاسم العلمي للذهب هو "Gold"، ورمزه الكيميائي هو"Au"، وهذه الأحرف جاءت من كلمة لاتينية قديمة اسمها (Aurum) وتعني "الفجر" أو "الضياء" ولا تزال العديد من اللغات اللاتينية الحالية تستخدم أسماء قريبة جدا، مثل اللغة الإسبانية التي تطلق على الذّهب اسم "Oro".
من النّاحية الفيزيائيَّة، العدد الذرّي للذهب هو 79، وهذا يعني أنه يملك 79 بروتونا داخل نواته، وهذا ما يجعل صفاته ثابتة ومميّزة عن أي معدن آخر.
الذهب معدن لا يصدأ ولا يتغيّر لونه مع الوقت، ويمكن ثَنْيُهُ وتشكيله بسهولة كبيرة، ولذلك يستطيع الصائغ أن يصنع منه خواتم وأساور وقطعا دقيقة جدّا. كما أن الذهب موصِل ممتاز للكهرباء، ولهذا يُستخدم أيضا في بعض الأجهزة الإلكترونية الصغيرة مثل الرّقاقات.
كيف يتم استخراج الذهب؟
لا يوجد الذّهب عادة على شكل قطع كبيرة جاهزة للاستخدام، بل يكون مختبئا داخل الصخور في الجبال أو تحت الأرض أو حتى في الأنهار. ولإخراجه، تمرّ الشركات بعدّة خطوات مرتّبة:
العثور على مكان وجود الذهب
قبل أن يبدأوا بالحفر، يجب أن يعرفوا أين يوجد الذهب. يستخدم العلماء من أجل التنقيب عن الذّهب أدوات مثل:
- أجهزة كشف المعادن.
- تحاليل للصخور.
- خرائط جيولوجية تُظهر أماكن قد تحتوي على الذهب.
هذا يشبه لعبة "البحث عن الكنز"… لكن بطريقة علمية.
الحفر الكبير في الجبل أو في باطن الأرض
عندما يكتشفون منطقة بها ذهب، يقومون بفتح منجم.
وهناك نوعان من المناجم:
أ) مناجم مفتوحة (Open-Pit Mining)
يتم قطع الجبل من الأعلى إلى الأسفل في شكل طبقات ضخمة، وكأنك تصنع صناديق كبيرة من الصخور.
ب) مناجم باطنية (Underground Mining)
يتم حفر أنفاق طويلة داخل الجبل للوصول إلى عروق الذهب الموجودة في الأعماق.
تكسير الصخور الضخمة
بعد استخراج الصخور، تكون كبيرة جدّا، لذلك يتم إدخالها في آلات ضخمة تكسرها إلى قطع صغيرة جدّا… ثم تُصبح مثل الحصى أو الرمل الخشن.
كل هذا فقط لكي يتمكنوا من فصل الذهب عن باقي الصخور.
طحن الصخور لتصبح مسحوقا
بعد التكسير، يتم طحن الصخور حتى تصبح ناعمة جدّا، مثل البودرة.
لماذا؟ لأن الذهب غالبا يكون مختلطا جدّا داخل الصخور، وبالتالي يجب أن تصبح الصخور ناعمة حتى يستطيعوا فصل الذهب.
فصل الذهب عن الصخور
وهنا الجزء الأهم في استخراج الذّهب!
إذ هناك طريقتان رئيسيتان:
أ) طريقة السيانيد (Cyanidation)
الأكثر استخداما عالميّا، حيث:
- يخلطون مسحوق الصخور بالماء.
- يضيفون مادة تسمّى السيانيد، وهي تساعد الذهب على الذوبان.
- بعد الذوبان، يتم جمع الذهب من السائل.
- ثم يتم تسخينه حتى يعود صلبا مرة أخرى.
هذه الطريقة فعّالة جدا لأنها تستخرج كميات كبيرة من الذهب، حتى لو كانت قليلة جدّا داخل الصخور.
استخراج الذّهب بواسطة السيانيد عملية خطيرة بيئيا إذا لم تتم مراقبتها جيدا. {alertError}
ب) طريقة الجاذبية (Gravity Separation)
بما أن الذهب ثقيل جدا مقارنة بباقي المعادن، فإنه يهبط للأسفل عندما يوضع في الماء، بينما تطفو المواد الأخفُّ. هذه الطريقة تُستخدم كثيرا في الأنهار.
صهر الذهب للحصول على قطع نقية
بعد جمع الذهب، يكون على شكل بودرة أو قطع صغيرة جدّا، لذلك يتم وضعه في أفران حرارية بدرجات حرارة عالية جدّا تتجاوز 1,000 درجة مئوية تقريبا. فيذوب الذهب ويُصبح سائلا، ثم يُسكَب في قوالبَ ليصبح قطعا أو سبائك صغيرة.
تنقية الذهب ليصبح عيار 24
بعد الذوبان، قد يحتوي الذهب على شوائبَ قليلة. لذلك تتم عملية تنقية إضافية تُسمّى "التكرير"، للحصول على ذهب نقي بنسبة 99.99% أو ما يُعرّف بعيار 24.
في ما يلي فيسبوك يوضِّح كيفية التّعامل مع الذّهب من البداية حتى يصير مصهورا بالشّكل واللون والذي نعرفهما:
استخدامات الذّهب
يُستخدم الذهب في حياتنا بطرق كثيرة، وليس فقط من أجل الزينة. فرغم أنّه معدن لامع ومرتبط دائما بالمجوهرات، إلا أنّ خصائصه العلمية تجعله مفيدا جدّا في مجالات مختلفة.
فيما يلي أبرز استخدامات النّاس للذّهب اليوم:
الذهب في المجوهرات والزينة
أكثر استعمال معروف للذهب هو صناعة الحُليّ مثل الخواتم والقلائد والأساور. الناس يحبّونه لأنه لا يصدأ ولا يتغير لونه، ويمكن تشكيله بسهولة كبيرة. ولهذا تراه في مناسبات الزواج، الهدايا، والعادات التقليدية في الكثير من البلدان.
الذهب كوسيلة للاستثمار والادخار
الكثير من الناس يشترون الذهب ليحتفظوا بقيمته على المدى الطويل. فهو يُعتبر "ملاذا آمنا" عندما تكون هناك أزمات مالية أو انخفاض في قيمة العملات.
يشترون:
- سبائك صغيرة أو كبيرة
- ذهبا نقديا (Gold Coins)
- شهادات ذهبية
- أسهم في الذهب عبر البورصات وصناديق الاستثمار
وفكرة الاستثمار بالذهب بسيطة: الناس تثق به لأنه يحافظ على قيمته عبر الزمن.
الذهب في البنوك المركزية واحتياطي الدول
البنوك المركزية في دول العالم تحتفظ بكميات كبيرة من الذهب في خزائن خاصّة.
لماذا؟ لأن الذهب يُستخدم كجزء من "الاحتياطي النقدي"، الذي يساعد الدولة على حماية اقتصادها ويعطيها قوة مالية أكبر. كلما زاد احتياطي الذهب، زادت ثقة العالم في اقتصاد تلك الدولة.
الذهب في التكنولوجيا والإلكترونيات
على الرغم من أن الذهب قليل نسبيّا في الأجهزة، إلا أنّه مهم جدّا. فالذهب موصِل ممتاز للكهرباء، ولا يصدأ، ولهذا يُستخدم في:
- الهواتف الذكية
- الحواسيب
- الدوائر الإلكترونية
- الأقمار الصناعية
- الأجهزة الطبية الحسّاسة
الذهب في الطب وصناعة الأدوية
يتم استعمال الذهب في الطب بنِسَب صغيرة في بعض العلاجات.
على سبيل المثال:
- علاجات طلب الأسنان
- علاج التهاب المفاصل الروماتويدي
- بعض التقنيات الطبية التي تحتاج معدنا ثابتا وغير سام
كما تُستخدم جسيمات الذهب النانوية في دراسات علاج السرطان والأبحاث العلمية المتقدمة.
كيف يتغيّر سعر الذهب؟
سعر الذهب لا يبقى ثابتا أبدا، بل يتحرك طوال الوقت مثل الموج. أحيانا يرتفع، وأحيانا ينخفض، ويحدث هذا نتيجة مجموعة عوامل تؤثّر عليه بشكل مباشر. أهمّ ما يجب فهمه هو أن الذهب مرتبط بثقة الناس والاقتصاد العالمي، لذلك كل شيء يحدث في العالم يمكن أن يحرّك سعره:
في البداية، يلعب الوضع الاقتصادي العالمي دورا مهمّا جدّا. فعندما تكون هناك أزمة مالية أو خوف من الركود، يبدأ الناس بالبحث عن شيء يحافظ على قيمته، وهنا يتجهون إلى الذهب. ومع زيادة الطلب، يرتفع السعر طبيعيا. أمّا عندما تكون الأوضاع الاقتصادية هادئة ومستقرّة، تقلّ الحاجة للذهب فـينخفض السعر تدريجيا.
عامل آخر مهم هو قوة الدولار الأمريكي. الذهب يُسعَّر عالميّا بالدولار، لذلك عندما يصبح الدولار قويّا ترتفع قيمته مقارنة بباقي العملات، وهذا يجعل شراء الذهب أغلى بالنسبة للدول الأخرى، فيقلّ الطلب وينخفض السعر. أما إذا ضعف الدولار، يرتفع سعر الذهب لأن الناس تجد شراءه أسهل.
تأثير آخر يأتي من أسعار الفائدة. أي عندما ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة، يبدأ الناس بتفضيل وضع أموالهم في البنوك أو السندات، لأنّها تعطي أرباحا مضمونة. في هذه الحالة يقلّ الإقبال على الذهب، ويهبط سعره. أمّا عندما تنخفض أسعار الفائدة، يفقد الادخار في البنوك جاذبيته، ويرجع الناس إلى الذهب، فيرتفع السعر مرة أخرى.
ولا ننسى أيضا تأثير العرض والطلب الحقيقيين في الأسواق. إذا زاد إنتاج المناجم أو انخفض الطلب الصناعي، فقد يتراجع السعر. وإذا حدث العكس - كزيادة الطلب على السبائك أو ارتفاع شراء البنوك المركزية — يتحرّك الذهب إلى الأعلى.
وفي النهاية، تبقى الأحداث العالمية السريعة مثل الحروب، الأوبئة، التضخم القوي، أو القرارات الاقتصادية الكبرى، عوامل يمكنها تغيير سعر الذّهب في لحظة واحدة، لأن الناس تلجأ إلى الذهب عندما تشعر بالقلق أو عدم اليقين.
في النّهاية، يمثّل الذهب أحد أكثر المعادن تأثيرًا في حياة الإنسان منذ القدم وحتى اليوم، ليس بسبب لونه اللامع فحسب، بل بفضل خصائصه الفيزيائية الفريدة واستخداماته الواسعة في الصناعة والاقتصاد والتكنولوجيا.
ومن خلال فهم طريقة استخراجه، ومسار تصنيعه، والعوامل التي تتحكّم في سعره، يصبح من السهل رؤية الصورة الكاملة لهذا المعدن الذي يجمع بين القيمة العلمية والاقتصادية في آن واحد.
وإذا وجدتَ أن هذه المعلومات قد أضافت شيئا جديدا إلى معرفتك، فيسعدنا أن تشارك الصفحة مع صديق ليستفيد هو الآخر من هذا المحتوى.