تعريف وطريقة عمل البلوكشين (Blockchain)

 قد تسمع كثيرا عن كلمة "بلوكشين" وترتبط في ذهنك بالعملات الرقمية مثل البيتكوين، لكن الحقيقة أن هذه التكنولوجيا أوسع بكثير من مجرد مال رقمي. في هذا المقال سنبدأ من الصفر: نتعرّف على معنى البلوكشين، كيف يعمل، وما هي أبرز استخداماته في حياتنا اليومية. الهدف أن تنهي القراءة وأنت تملك صورة شاملة وواضحة.

ما هو البلوكشين

كلمة "بلوكشين" تعني بالعربية سلسلة الكتل (بالإنجليزيَّة: Blockchain). تخيّل دفتر حسابات ضخم يُكتب فيه كلُّ شيء يَحدُث، وكل صفحة من هذا الدفتر تُسمى "كتلة". هذه الصفحات تُربط ببعضها بسلسلة قوية جدّا مبنيَّة على التَّشفير، بحيث لا يمكن التَّلاعب بأي صفحة بعد أن تُغلَق.

بكلمات أبسط: البلوكشين هو قاعدة بيانات مشتركة، موزّعة على آلاف الحواسيب حول العالم، والكل يستطيع الاطِّلاع عليها، لكن لا أحد يستطيع تغيِير الماضي فيها. {alertInfo}

كيف يعمل البلوكشين؟

تخيل أن البلوكشين هو دفتر حسابات رقمي مشترك -كما ذكرتُ قبل قليل-، حيث يتم تسجيل وتوثيق كل معاملة بشكل جماعي لا مركزي، إليك كيف تتم هذه العملية خطوة بخطوة:

1. يبدأ الأمر عندما يقوم شخص بعملية (مثلًا: إسراء ترسل 1 بتكوين إلى سمير).
2. تنتشر هذه العملية إلى شبكة من الحواسيب تسمى "العُقد".
3. كل عقدة تتحقق من صحة العملية (هل يملك علي حقًا 1 بتكوين؟).
4. إذا توافق الجميع، تُسجّل العملية داخل كتلة جديدة.
5. تُربط الكتلة بالكتل السابقة، مكوّنة سلسلة متواصلة اسمها: البلوكشين.

الأمر مثل مجموعة من الأشخاص يجلسون معا ليسجلوا كل المعاملات في دفتر مشترك. إذا حاول أحدهم الكذب، سيكشفه الباقون لأن نُسَخ دفاترهم لا تُطَابِق ما قاله. {alertInfo}

لمحة تاريخية عن البلوكشين

تعود فكرة البلوكشين إلى تسعينيات القرن الماضي. ففي سنة 1991، طرح العالمان ستيوارت هابر (Stuart Haber) وسكوت ستورنيتا (W. Scott Stornetta) نظاما يعتمد على التشفير لحماية المستندات الرقمية من التلاعب، وذلك عن طريق ربطها بختم زمني (Timestamp)، حيث يمكن اعتبار هذا العمل هو البذرة الأولى لتكنولوجيا البلوكشين.

لاحقًا، في عام 2004، قدّم الباحث هال فيني (Hal Finney) مفهوما يُعرف باسم إثبات العمل القابل لإعادة الاستخدام (Reusable Proof of Work)، والذي كان خطوة متقدمة نحو بناء نظام مالي لا مركزي.

لكن الانطلاقة الحقيقية جاءت عام 2008، عندما نشر شخص (أو مجموعة أشخاص) تحت اسم مستعار ساتوشي ناكاموتو (Satoshi Nakamoto) ورقة بحثية بعنوان Bitcoin: A Peer-to-Peer Electronic Cash System والتي تُتَرجَم إلى العربية بـ"بيتكوين: نظام نقدي إلكتروني من نظير إلى نظير". في هذه الورقة، قدّم ساتوشي تصوُّرا عمليّا لأوَّل مرة لتطبيق البلوكشين في عملة رقمية لامركزية: البتكوين.

في يناير 2009، وُلدت أول شبكة بلوكشين مع إطلاق بتكوين رسميّا، ومعها الكتلة الأولى في السلسلة والتي تُعرف بـ"الكتلة التأسيسية" (Genesis Block). ومنذ ذلك الحين، أصبحت البلوكشين تتطور بسرعة، فلم تعد تقتصر على البتكوين فقط، بل ظهرت مشاريع أخرى مثل إيثيريوم (Ethereum) عام 2015، الذي قدّم مفهوم العقود الذكية (Smart Contracts)، وفتح الباب أمام آلاف التطبيقات اللامركزية.

اليوم، تُعتبر البلوكشين تكنولوجيا قائمة بذاتها، تُستخدم في التمويل، الصحة، التجارة، وحتى الحكومات، بعد أن بدأت كمجرد فكرة لحماية المستندات الرقمية منذ أكثر من 30 عاما. {alertSuccess}

استخدامات البلوكشين

قد يعتقد الكثيرون أن البلوكشين مرتبط فقط بالعملات الرقمية مثل بتكوين، لكن الحقيقة أن هذه التكنولوجيا لديها استخدامات أوسع بكثير. على سبيل المثال، يمكن الاستفادة منها في تتبّع سلاسل التوريد، حيث تتيح معرفة مصدر المنتجات الغذائية ورحلتها من المزرعة وصولًا إلى المتجر، مما يضمن الجودة والشفافية.

كما يُستخدم البلوكشين أيضا في مجالات حيوية أخرى، مثل التصويت الإلكتروني الذي يصبح أكثر أمانا ضد التلاعب، والسجلات الطبية التي تحفظ بيانات المرضى بشكل محمي وموثوق. إضافة إلى ذلك، ظهرت العقود الذكية، وهي اتفاقيات رقمية تنفَّذ تلقائيّا عند تحقق شروط معينة، مثل دفع ثمن منزل بمجرد نقل الملكية. كل هذه الأمثلة توضح أن البلوكشين ليس مجرد عملة رقمية، بل ثورة تقنية يمكن أن تغيّر الكثير من جوانب حياتنا.

بلوكشين وبي إن بي شين، ما الفرق؟

حتى نفهم البلوكشين بشكل أوضح أكثر، إليك مقارنة له مع بي إن بي شين:

• البلوكشين (Blockchain)
  هو الاسم العام للتقنية نفسها. يعني "سلسلة الكتل" التي شرحناها من قبل. هذه التكنولوجيا يمكن لأي شخص أو جهة أن تنشئ شبكتها الخاصة بها. مثلما نقول "الإنترنت" كمفهوم عام، وهو يشمل مواقع كثيرة وخدمات مختلفة.
• بي إن بي شين (BNB Chain): هي شبكة بلوكشين محددة طوّرتها شركة بينانس. كانت تُعرف في البداية باسم Binance Smart Chain (BSC). BNB Chain مبنية على نفس فكرة البلوكشين، لكنها شبكة خاصة بها مميزات معينة، مثل:
• استخدام عملة بي إن بي كعملة أساسية للرسوم والمعاملات.
• دعم العقود الذكية والتطبيقات اللامركزية (dApps).
• سرعة في المعاملات مقارنة ببعض الشبكات الأخرى مثل إيثيريوم.

يعني ببساطة:

• "البلوكشين" = التكنولوجيا العامة.
• "بي إن بي شين" = مثال واحد من بين مئات الشبكات التي بُنيت باستخدام هذه التكنولوجيا.

في الختام، البلوكشين ليس مجرد تقنية تدعم العملات الرقمية مثل البيتكوين، بل هو ثورة حقيقية في طريقة تعاملنا مع البيانات والثقة. من خلال دفتر حسابات موزع وشفَّاف، تتيح هذه التكنولوجيا حماية البيانات، وإجراء المعاملات بأمان، وفتح آفاق جديدة في مجالات مثل سلاسل التوريد، والرعاية الصحية، وحتى العقود القانونية.

البلوكشين يمثل بداية عصر جديد، يضع فيه الأفراد الثقة في النظام بدلاً من المؤسَّسات المركزيَّة، ويعدنا بمستقبل أكثر أمانا وشفافية في عالمنا الرقمي.

ترغب في معرفة المزيد؟ يُمكنك قراءة تدوينة بينانس بعنوان "ما هي سلسلة بلوكشين وكيف تعمل؟".